في عالم الشطرنج، حيث الذكاء والصبر مفتاح النجاح، سطع نجم محمد النوالي منذ نعومة أظافره، ليصبح أحد أبرز اللاعبين التونسيين في التاريخ الحديث. وُلِد محمد في 7 مارس 2000 بمدينة منزل تميم، وبدأت رحلته مع الشطرنج عام 2010، عندما كان في العاشرة من عمره، حين اكتشف اللعبة لأول مرة في المنزل مع أخيه. كانت تلك اللحظة التي غيرت مجرى حياته، حيث تعلم القواعد الأساسية وأدرك بسرعة شغفه بهذه الرياضة الذهنية.
*البداية في نادي الفارس التميمي
لم يتوقف الأمر عند الاكتشاف، بل حمله شغفه سريعًا إلى نادي الفارس التميمي للشطرنج، حيث التقى بمجتمع من اللاعبين الموهوبين. هناك، لفت أنظار رئيس النادي السيد رضا عياد في ذلك الوقت، الذي رأى في محمد موهبة فريدة، فقرر أن يمنحه فرصة المشاركة في بطولة تونس للفئات العمرية. لم يخيب محمد الظن، بل فاجأ الجميع بتحقيقه المركز الأول في فئة أقل من 10 سنوات، ليكون بذلك اللاعب الوحيد في المجموعة الذي يحقق هذا الإنجاز في مشاركته الأولى.
*من البطولة الوطنية إلى المجد الإفريقي
لم يكن هذا الفوز مجرد لقب محلي، بل كان بوابة للتمثيل الدولي، حيث استُدعي لتمثيل تونس في بطولة إفريقيا للشبان سنة 2010 ببوتسوانا. وهنا، واصل محمد إثبات نفسه، ليحقق لقب بطل إفريقيا في فئة أقل من 10 سنوات، كأول تونسي في التاريخ يحقق هذا الإنجاز، رغم انه لازال في نفس السنة التي تعلم فيها الشطرنج، لم يكن الأمر مجرد انتصار شخصي، بل لحظة فارقة في تاريخ الشطرنج التونسي، حيث سلطت الصحافة الضوء على هذا الشاب الطموح الذي رفع علم بلاده عاليًا في المحافل القارية. وكنتيجة لهذا الإنجاز، حصل على لقب أستاذ فيدرالي (FIDE Master - FM)، ليكون بذلك أصغر لاعب تونسي يتحصل على هذا اللقب.
![]() |
بطل إفريقيا للشبان تحت 10 سنوات بوتسوانا 2010 |
*التحديات والنجاحات العربية
رغم الظروف الصعبة التي مرت بها تونس بعد الثورة التونسية 2011، وما تبعها من إهمال من الجامعة التونسية للشطرنج وإهمال كل السلط المعنية، لم يتوقف محمد عند ذلك الحد، بل استمر في طريقه نحو الأمجاد. في عام 2013، شارك في البطولة العربية للشبان في فئة أقل من 14 سنة في الأردن، حيث كرر السيناريو نفسه، ليكون أول تونسي في التاريخ يحقق بطولة عربية للشبان. لم يكن هناك دعم كافٍ، لكن عزيمته كانت أقوى من أي عقبة.
![]() |
بطل العرب للشبان تحت 14 سنة الأردن 2013 |
![]() |
بطل العرب للشبان تحت 14 سنة الأردن 2013 |
في 2016، عاد ليثبت أنه ليس مجرد لاعب عابر، بل بطل بالفطرة، حيث حقق البطولة العربية للشبان في فئة أقل من 16 سنة في جربة، تونس، ليكون مجددًا اللاعب الوحيد من الوفد التونسي الذي يحقق اللقب. وبعدها بعامين، في 2018، في الحمامات، تونس، أضاف بطولة عربية أخرى في فئة أقل من 18 سنة إلى رصيده، ليبرهن أن اسمه بات جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الشطرنج التونسي والعربي. وبهذا الإنجاز، حصل رسميًا على لقب أستاذ دولي (International Master - IM)، ليكون واحدًا من قلة قليلة من اللاعبين التونسيين الذين تمكنوا من تحقيق هذا اللقب. وبعد حلول سنة 2019، كان محمد النوالي قد حصل على جميع بطولات تونس للشبان في مختلف الفئات العمرية، ليصبح أحد أكثر اللاعبين تتويجًا في تاريخ الشطرنج التونسي للشبان.
![]() |
بطل العرب للشبان تحت 16 سنة تونس 2016 |
*دور المدربين في مسيرته
في هذه الفترات، كان هناك أشخاص لعبوا دورًا مهمًا في تطويره، حيث يتوجه اللاعب محمد النوالي بالشكر إلى اللاعب محمد حلمي بحرية، وهو أحد لاعبي نادي الفارس التميمي للشطرنج، وأحد أفضل المدربين في تونس، على دعمه خلال مسيرته كلاعب شاب. كما يتوجه بالشكر إلى مدرب المنتخب الوطني أمير الزعايبي الذي ساعده في تحقيق إنجازات كبرى.
*التوقف والعودة القوية
مع الأسف، لم يكن الطريق مفروشًا بالورود. فقد أدى الإهمال المتواصل وغياب الدعم الحقيقي من الجهات الرسمية إلى تراجع شغف الاعبين الشباب، مما دفع محمد إلى اعتزال الشطرنج لفترة، بعدما شعر أن التضحيات التي قدمها لم تلقَ التقدير الذي تستحقه.
لكن الأبطال الحقيقيين لا يختفون، بل يعودون أقوى. وفي عام 2024، عاد محمد إلى المنافسة، ليحقق بطولة تونس الفردية للأكابر، ليصبح أول لاعب من منزل تميم يحقق هذا اللقب. كما حقق في نفس العام بطولة تونس الفرقية مع فريق دار شعبان الفهري، ليؤكد مجددًا أنه لا يزال في القمة، رغم كل العراقيل.
![]() |
بطل العرب للشبان تحت 18 سنة تونس 2018 |
![]() |
بطل العرب للشبان تحت 18 سنة تونس 2018 |
![]() |
بطل تونس للشبان في جميع الفئات العمرية |
![]() |
بطل تونس أكابر 2024 |
![]() |
بطل تونس للفرق 2024 |
رغم كل هذه الإنجازات، لا يزال محمد النوالي، كما غيره من لاعبي الشطرنج في تونس، يعاني من غياب الدعم الرسمي. فالرياضة التي تتطلب ذكاءً، تخطيطًا، وصبرًا لم تجد المكانة التي تستحقها في السياسات الرياضية التونسية، حيث يظل الشطرنج رياضة مهمّشة بعيدة عن اهتمامات الدولة.
يتمنى محمد أن يتحسن الوضع في المستقبل، وأن تدرك السلطات المعنية قيمة هؤلاء الأبطال الذين رفعوا علم تونس عاليًا في المحافل الدولية. فالشطرنج ليس مجرد لعبة، بل أداة لصقل العقول، وواجهة حضارية تعكس تطور الأمم.
*رسالة إلى الأجيال القادمة
"لا تدعوا العقبات توقفكم، ثقوا في أنفسكم، وواصلوا العمل، فالبطولات لا تُمنح، بل تُنتزع بالإصرار والاجتهاد."